هكذا انتشرت المسيحية - بحد السيف ج9


عودة إلى محاكم التفتيش وصلب المسلمين ونقد المعاهدات وإجبارهم على اعتناق المسيحية وتعميدهم بالقوة وتحويل جميع المساجد إلى كنائس وحرق جميع الكتب الإسلامية


لم توفر وحشية محاكم التفتيش طفلاً أو شيخاً أو امرأة, والهدف هو إبادة المسلمين, والمطلوب من المسلمين العمل على إعادة كتابة تاريخ صحيح لمحاكم التفتيش يكشف بقية فصولها الوحشية للعالم, تمثل محاكم التفتيش أحد أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية تجاه المسلمين، وحيث امتدت وحشيتها المفرطة لتطال المسيحيين أيضاً فيما بعد..




اتفاقية التسليم :

تم إبرام معاهدة تنص على أن يسلم حكام غرناطة المدينة للإسبان لقاء ضمان خروج الحكام بأموالهم إلى إفريقيا، كما تضمنت المعاهدة ثمانية وستين بنداً منها تأمين الصغير والكبير على النفس والمال والأهل، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم، وأن تبقى لهم شريعتهم يتقاضون فيها، وأن تبقى لهم مساجدهم وأوقافهم، وألا يدخل الكاثوليك دار مسلم، وألا يغصبوا أحداً، وألا يولى على المسلمين إلا مسلم، وأن يُطلق سراح جميع الأسرى المسلمين، وألا يؤخذ أحد بذنب غيره، وألا يُرغم من أسلم من الكاثوليك على العودة إلى دينه، وألا يعاقب أحد على الجرائم التي وقعت ضد الكاثوليكية في زمن الحرب، وألا يدخل الجنود الإسبان إلى المساجد، ولا يلزم المسلم بوضع علامة مميزة، ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم من أمور دينه..

وقد وقع على المعاهدة الملك الإسباني والبابا في روما، وكان التوقيعان كافيان لكي تكون المعاهدة ضمانة للمسلمين في إسبانيا، وبناء على هذه المعاهدة خرج أبو عبد الله بن أبي الحسن ملك غرناطة صباح يوم 2/1/1492م، من قصر الحمراء وهو يبكي كالنساء حاملاً مفاتيح مدينته وملكه الزائل، فأعطاها الملكة إيزابيلا وزوجها فرديناند.

فصول الاضطهاد :

الذي حدث أنه فور دخول الإسبان إلى غرناطة نقضوا المعاهدة التي أبرموها مع حكامها المسلمين، إذ كان أول عمل قام به الكاردينال مندوسيه عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها وترتيل صلاة الحمد الكاثوليكية، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسباني يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين في غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكًا، وذلكتنفيذًا لرغبة السيد المسيح الذي ظهر له وأمره بذلك كما ادَّعى..

فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح, عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع في غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعًا عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مائتين من رجال الدين المسلمين حرقًا في الساحة الرئيسة بتهمة مقاومة المسيحية[4].

وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم في الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال سيسزوس لتنصير بقية المسلمين في إسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكامًا بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء في ساحة من ساحات مدينة غرناطة أمام الناس، وقد استمرت هذه الحملة الظالمة على المسلمين حتى العام 1577م، وراح ضحيتها حسب بعض المؤرخين الغربيين أكثر من نصف مليون مسلم، حتى تم تعميد جميع الأهالي بالقوة..
ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس، وفي يوم 12/10/1501م صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية في السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جدًّا من الأسر الغنية المسلمة، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين فهاجموا أسر الذين اعتنقوا الكاثوليكية وأحرقوا بعضها..

عندها أعلن الكاردينال خيمينيث أن المعاهدة التي تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعد صالحة أو موجودة، وأعطى أوامره بتعميد جميع المسلمين في غرناطة دون الأخذ برأيهم، أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذي يساقون إليه، ومن يرفض منهم عليه أن يختار بين أحد أمرين: إما أن يغادر غرناطة إلى إفريقيا من دون أن يحمل معه أي شيء من أمواله، ومن دون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله، وإما أن يُعدم علنًا في ساحات غرناطة باعتباره رافضًا للمسيحية.

كان من الطبيعي أن يختار عدد كبير من أهالي غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيرًا على الأقدام غير عابئين بمشاق الطرقات ومجاهل وأخطار السفر إلى إفريقيا من دون مال أو راحلة، وللأسف بعد خروجهم من غرناطة كانت تنتظرهم عصابات الرعاع الإسبانية والجنود الإسبان، فهاجموهم وقتلوا معظمهم، وعندما سمع الآخرون في غرناطة بذلك آثروا البقاء بعد أن أدركوا أن خروجهم من إسبانيا يعني قتلهم، وبالتالي سيقوا في قوافل للتعميد، ومن كان يكتشفه الإسبان أنه قد تهرب من التعميد كانت تتم مصادرة أمواله وإعدامه علنًا..

وقد فرَّ عدد كبير من المسلمين الذين رفضوا التعميد إلى الجبال المحيطة في غرناطة محتمين في مغاورها وشعابها الوعرة، وأقاموا فيها لفترات وأنشأوا قرى عربية مسلمة، لكن الملك الإسباني بنفسه كان يشرف على الحملات العسكرية الكبيرة التي كان يوجهها إلى الجبال، حيث كانت تلك القرى تُهدم ويُساق أهلها إلى الحرق أو التمثيل بهم وهم أحياء في الساحات العامة في غرناطة[5].

وعلى المنوال نفسه، سارت حملات كاثوليكية في بقية المدن الإسبانية، وقد عُرف المسلمون المتنصرون باسم المسيحيون الجدد تمييزًا لهم عن المسيحيين القُدامى، وعرفوا أيضاً باسم الموريسكوس، أي المسلمين الصغار، وعوملوا باحتقار من قبل المسيحيين القدامى، وتوالت قرارات وقوانين جديدة بحق الموريسكيين, فعلى سبيل المثال صدر في العام 1507م أمر بمنع استعمال اللغة العربية ومصادرة أسلحة الأندلسيين، ويعاقب المخالف للمرة الأولى بالحبس والمصادرة، وفي المرة الثانية بالإعدام، وفي العام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامي، وفي سنة 1510م طُبِّقت على الموريسكيين ضرائب اسمها الفارضة، وفي سنة 1511م جددت الحكومة قرارات بمنع اللباس وحرق المتبقي من الكتب الإسلامية ومنع ذبح الحيوانات على الطريقة الإسلامية.



فشل محاكم التفتيش في تنصير المسلمين بعد التفنن في تعذيبهم وإنفاق الأموال الطائلة

في حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش التي مهمتها التأكد من كثلكة المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال الكثلكة لم تؤت نفعًا، فقد تكثلك المسلمون ظاهرًا، ولكنهم فعليًّا يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سرًّا، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن في مجالسهم الخاصة ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم في منطقة بلنسية أدخلوا عددًا من الكاثوليك الإسبان في الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية.

لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسباني والبابا، في أحد التقارير التي رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمي غرناطة للكاردينال، ورد أن الموريسكوس لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإن لم يتم إيجاد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيي غرناطة وبلنسية ومدن أخرى في الإسلام بشكل جماعي.

وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع الموريسكوس في إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية في التاريخ الكنسي الغربي، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه.
هكذا انتشرت المسيحية - بحد السيف ج9 هكذا انتشرت المسيحية - بحد السيف ج9 Reviewed by Aboo Omar on 11:23 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.