هكذا انتشرت المسيحية - بحد السيف ج8


اعتناق فلاسفة اليونان للنصرانية المحرفة لموافقتها أهواءهم.

هذا التحول الخطير من يسوع النبي إلى يسوع ذي الخصوصيات الإلهية, جعل فلاسفة اليونان و روما يفكرون في إمكانية الجمع بين فلسفتهم الخاصة و دعوة بولس و أتباعه. كانوا يعتقدون أن الوجود هو ثلاثي التكوين, و قد جمعوا إلى حد الآن ”الرب الأب”

و ”ابن الرب” و لم يعد يعوزهم غير ”الروح القدس” للحصول على تثليث يوافق ما هم عليه. لم يكن القديس أوغستين راضيا بالمرّة و أنكر على الفلاسفة الحرية الزائدة:

”الفلاسفة ينطقون كلماتهم بكل حرية…رغم ذلك نحن لا نقول إن كان هناك اثنان أو ثلاث مبادئ, اثنان أو ثلاثة آلهة”(De Civitate Dei 0/23) (5)

تأثير الفكر الأفلاطوني على النصرانية

اعتمدت فلسفة أفلاطون على تركيب ثلاثي الأبعاد: العلة الأولى, العقل أو اللوغوس logosو النفس أو روح الكون. كتب العلامة البريطاني جيبون (1737-1794)عن أفلاطونأنخيال هذا الأخير الشعري جسّد و أنعش هذه التجريديات المتافيزقية, فكل مبدأ من المبادئ الأصلية الثلاثة اتحد مع الأخرى بصورة غامضة لا يمكن وصفها. لقد وُضع اللوغوس –العقل- تحت المفهوم الواسع لابن الأب الأبدي, الخالق و مدبر الكون. (6)

مع مرور الوقت, اختلطت الأفكار الغامضة و الاعتباطية عن المسيح مع لوغوسات- )جمعlogos) – أفلاطون فاستحالا إلى صورة واحدة. هكذا وُلدت عقيدة التثليث التي ستُعتبر فيما بعد ”النصرانية الأرثودوكسية المُحافظة”.
اضطهاد الناصريين في القدس

كان الرومان و الأمميون لا يميزون بين الناصريين و اليهود. و تزامن ذلك مع حملة اضطهاد عام ضد اليهود تُوِّجت بتدمير معبد سليمان سنة 70 ميلادية. لقد قُتِل أغلب السكان اليهود ببيت المقدس و شاطرهم العديد من الناصريين نفس المصير. أما الذين نجوا فقد استقروا في بلدة بيلا (طبقة فحل) شمال غرب الأردن.

لما تقلد أدريانو منصب الإمبراطور, أنشأ مدينة جديدة على جبل صهيون سمّيت إلياء كابيتولينا. و قد حُددت عقوبات صارمة للغاية و توعد بالعذاب الأليم أي يهودي يتجرأ على الاقتراب منها. يقول جيبون:

"لم يجد الناصريون إلا سبيلا واحدا للتحرر من هذا المنع. فاختاروا مرقس ليكون مطرانهم, و هو أسقف من العنصر الأممي, أغلب الظن أنه ينحدر من إيطاليا أو من إحدى الأقاليم اللاتينية. بإشارة منه تخلى الجزء الأكبر من الجماعة عن شريعة موسى التي احتفظوا بتعاليمها لأكثر من قرن. بواسطة هذه التضحية بالأعراف و الامتيازات استطاعوا الحصول على الإذن بالدخول إلى مستوطنة أدريانو و وطدوا بصورة قوية اتحادهم مع الكنيسة الكاثوليكية". (18).

أما الناصريون الذين رفضوا هذا التوافق فقد اتًّهموا بالضلال و الشقاق. فبقي بعضهم في بيلا (طبقة فحل) و انتقل آخرون إلى القرى المحيطة بدمشق, أما الأكثرية فقد استقرت في حلب السورية:

” و اعتبر اسم "الناصري" أسمى و أشرف من أن يطلق على هذه الشرذمة من اليهود المسيحيين, و سرعان ما أُطلق عليهم ما افترض فيهم من ضيق الأفق و ضآلة الإدراك, بالإضافة إلى حالتهم – الاسم الحقير المزري "الأبيونيون". (19).

اضطهاد الناصريين في روما

كان نفس الأسلوب من الاضطهاد في روما. حيث كانت جماعة تعرف باسم "الجليليون"Galileos, مكونة من الناصريين و الزيلوتيين الذين اتهمهم نيرون بالمسؤولية عن حرق روما و عذبهم عقابا لهم. و طُلب من الناصريين دفع الضرائب الباهظة التي كانت مفروضة خصيصا على يهود روما:

"ولما جاوز مأمور الدخل الحد و طالبوا بغير حق كثيرا من الأشخاص الغرباء على الدم اليهودي و الديانة اليهودية, كان من المستحيل على المسيحيين, و هم الذين كثيرا ما استظلوا بظل الكنيس, أن ينجوا بأنفسهم من الاضطهاد الوحشي الجشع. و كان حرصهم شديدا على اجتناب أية شبهة وثنية, فأبت عليهم ضمائرهم أن يسهموا في تكريم ذلك الشيطان الذي تقمص شخصية جوبتير في الكابيتولينا. و لما كانت فئة كبيرة, و لو أنها في طريق الاضمحلال, بين المسيحيين, ظلت ملتزمة بشريعة موسى, فإن جهودهم في ستر منبتهم اليهودي قد فضحها الاختبار الحاسم, ألا وهو الختان." (20).

عندما نقرأ ما تعرّض له الناصريون, و الذين اتبعوهم من بعد ذلك, من اضطهاد نتذكر الآيات التالية من إنجيل يوحنا:

"سيخرجونكم من المجامع, بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله". (انجيل يوحنا, الإصحاح 16. 2)
هكذا انتشرت المسيحية - بحد السيف ج8 هكذا انتشرت المسيحية - بحد السيف ج8 Reviewed by Aboo Omar on 11:22 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.